السلامة الطرقية مسؤوليتنا

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على المبعوث رحمةً للعالمين، سيدنا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين:

غير خاف ما ينجم عن حوادث السير المفجعة، التي لوحظ ارتفاع نسبتها في الآونةالأخيرة، من مخاطر عديدة وأضرار جسيمة. فكم من أسرة فقدت بسببها عزيزاعليها، وكم من شخص ظل نتيجة لها في حالة إعاقة دائمة، وكم من طفل تيتم، وكممن امرأة ترملت، وكم من شباب أقوياء خسرناهم ... ويكفي أن تعلم أخي القارئأن هذه الحوادث، بل (الحرب الطرقية) – وبحسب إحصاء منظمة الصحة العالمية – ينتج عنها سنويا إزهاق أكثر من مليون ومائتي ألف نفس، أي بنسبة قتيل في كلثلاثين ثانية، وإيجاد أكثر من خمسة ملايين حالة إعاقة !!

ويتوقع الخبراء في هذه المنظمة أن عدد القتلى بسبب حوادث السير سيرتفع بحلول سنة 2020 بنسبة تربو على 60% أي بحوالي 8.4 مليون قتيل، ناهيك عنالجرحى وأصحاب العاهات المختلفة !!

وما أكثر العوامل والأسباب التي تقف وراء وقوع هذه الحوادث المؤلمة، نذكر أهمها على سبيل الإجمال فيما يلي :

1- السرعة المفرطة الزائدة عن الحد المطلوب والمعقول، وخاصة من طرف بعضالطائشين من الشباب الذين لا يحكمون عقولهم، ولا يقدرون عواقب الأمور،فيتسببون في وقوع كوارث ومآسي .

2- غفلة السائقين وعدم انتباههم وتركيزهم أثناء القيادة.

3- عدم احترام قوانين السير عموما، وخاصة الإشارات الضوئية، مما يفضي إلى وقوع حوادث مفجعة .

4- وفي كثير من الأحيان تكون هذه الأسباب المذكورة وغيرها ناجمة عن سببرئيسي هو ( شرب الخمر)، فما أكثر الحوادث المؤلمة الناجمة عن تعاطي هذهالآفة الخبيثة التي وصفت في بعض الأحاديث والآثار بأنها (أم الخبائث) و(أمالفواحش) و(جماع الإثم) !! ..

ونظرا لما ينجم عن تناول الخمور من مفاسد وأضرار كثيرة على الفرد والمجتمع، نجد الشارع الحكيم يحرمها تحريما قاطعا، ويحاربها أشد المحاربة، ويعتبرها من عمل الشيطان. قال تعالى "ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون .إنما يريدالشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " المائدة: (91،90).

وفي الحديث الصحيح ما يدل على أن شرب الخمر وكذا الاتجار فيها وترويجها منموجبات لعنة الله وغضبه ومقته وعقابه الأليم. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) "لعن الله الخمر وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه ، وآكل ثمنها "(أخرجه أبو داود في سننه، والحاكم في المستدرك، وصححه الألباني فيصحيح.الجامع الصغير) رقم : 5091.


- وإن من مقاصد شريعتنا الغراء : حماية حق الإنسان في الوجود وحقه في الأمنوالأمان، وذلك بالمحافظة على الأنفس وصيانتها وعدم إلحاق الضرر بها بغيرحق ..

وإذا كان الشارع الحكيم قد نهى عن مجرد ترويع الأبرياء الآمنين، فكيف بمن يتسبب في إهلاك نفوسهم وإزهاق أرواحهم، وجعل أسرهم تعيش حالة من الحزنوالأسى والبؤس والتعاسة صباح مساء ولسنين عديدة ! لا شك أن هذا من صورالإفساد في الأرض ومن أظلم الظلم ومن أفحش الأذى والضرر الذي يتحمل صاحبهوزره ويكسب إثمه. قال تعالى "ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه " (النساء:111)؛ لذلك اعتبر الحق سبحانه قتل نفس واحدة معصومة بمثابة قتلللبشرية كلها، وإحياء نفس واحدة بمثابة إحياء البشرية كلها . قال جل وعلا : " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" المائدة:32.

ومن القواعد المقررة في شريعتنا أن ( ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ). ولما كان حفظ الدماء وصيانة الأنفس يتم بأمور كثيرة، منها : مراعاة قوانينالسير وقواعد المرور، كان احترام هذه القوانين والقواعد والالتزام بهاواجباً شرعياً .

ثم إن من المعلوم أن كل ما فيه مصلحة معتبرة للعباد يتعين الأخذ به شرعا، ولا يسوغ مخالفته ومعارضته. ولا يخفى ما يترتب على احترام قوانين السير منمصالح كبرى، لذلك وجب الالتزام بها شرعا، واعتبر المخالف لها آثما ؛ لأنهيعرض نفسه وغيره من الناس الأبرياء لأضرار ومخاطر لا تحمد عقباها .

وقد بين النبي (صلى الله عليه وسلم) حقوق الطريق الواجب مراعاتها، وذكر من ضمنها : كف الأذى والضرر. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان وغيرهما : « إياكم والجلوس في الطرقات" قالوا : يارسول الله، مالنا بدّ إنما هي مجالسنا نتحدث فيها . قال : "فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها"، قالوا : وما حق الطريق يا رسول الله ؟ قال : "غضالبصر، وكف الأذى، ورد السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر» . و(كف الأذى) : كلمة عامة جامعة، تشمل كل نوع من أنواع الأذى التي يجب الكف عنها،سواء بالنسبة للجالس أو الراجل أو الراكب .. فالكل مطالب بكف الأذى والضرر .

ومن القواعد الكلية التي قررتها شريعتنا أيضا : قاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) وهذه القاعدة هي في الأصل حديث صحيح ثابت عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والمتأمل فيهايلحظ أنها لا تكتفي بتحريم إلحاق الضرر بالغير، بل تشير أيضا إلى وجوبالضمان على من سببه؛ ذلك لأنها لم ترد بصيغة النهي الدالة على التحريم فقط،بل جاءت بصيغة نفي الجنس، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى أنه كما يجب علىالإنسان أن يتجنب الإضرار بغيره، يجب عليه أيضا إن صدر منه شيء من ذلك أنينفي الضرر عن المضرور الذي أصابه، إما برده إلى الحالة الأصلية إن أمكن،وإما بتعويضه عن الضرر وأداء الضمان إليه عوضاً عما فاته

.
ولقد أفتى علماء الإسلام بأن كل من تسبب- نتيجة التعدي- في قتل نفسه أو قتل غيره بأي سبب من الأسباب يكون مسؤولا عن فعله ويتحمل تبعاته، لقوله تعالىفى سورة(البقرة:195) " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا "، وقوله سبحانهوتعالى فى سورة (النساء:29):" ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما "، وقوله عز جل فى سورة (الأنعام:151) "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون"، ولقول النبي (صلى الله عليه وسلم) "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت "، وفى الحديث الآخر " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " أخرجه البخاري في كتاب الفتن (6667).

إذن، فالواجب علينا صيانة أنفسنا وحماية أنفس غيرنا، وذلك بالتعقل في قيادتنا لمراكبنا، وعدم التهور والإفراط في السرعة، واحترام الإشارات الضوئية، وغير ذلك من قوانين المرور، فـ« التأني من الرحمن، والعجلة منالشيطان» . (أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أنس بلفظ"التأني منالله.."، وحسنه الألباني في صحيح الجامع، رقم : 3011) .

ألا فلنسر في أرض الله سير العقلاء الفطناء، ولنحذر سلوك سبيل الجهلاء السفهاء .
وما أجدرنا أن نتصف بالصفة الأولى من صفات عباد الرحمن، الذين قال فيهم ربنا : " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلونقالوا سلاما " (الفرقان:63). وما أجمل أن نقتدي بنبينا محمد(صلى الله عليه وسلم)الذي كان يجسد بسلوكه كل صفات عباد الرحمن؛ فهاهو (صلى الله عليه وسلم)ينادي الناس وهم في الحج مندفعون من عرفة إلى المزدلفة، ويشير بيده اليمنى قائلاً : « يا أيها الناس السكينةالسكينة» (أخرجه أحمد في مسنده:5/208، وابن أبي شيبة في مصنفه: 3/336، وغيرهما....) .

وكان عليه الصلاة والسلام يكبح من سرعة راحلته بشد زمامها حتى كاد رأسها أنيلامس مورك رحله، وذلك خشية أن يشق على المسلمين في سيرهم أو أن يضايقأحدا منهم في طريقه

ثم ليكن لنا فيما تخلفه الحوادث المتكررة التي نراها ونسمع عنها من فواجع وكوارث أعظم معتبر، فنؤوب إلى رشدنا ونستعمل الطريق بتعقل وحكمة ورزانةوفطنة، ونحترس من الوقوع في كل المخالفات التي تلحق الأذى والضرر بالأبرياء من الناس، وعلينا أن نتعاون جميعا من أجل إيقاف النزيف الدموي على الطرقات، أو على الأقل للتخفيف من هذه الحوادث التي هي في تنامي مضطرد، وذلك بالقضاء على كل أسبابها المعروفة، وليتحمل كل منا مسؤوليته بصدق ،فكما يجب على عامة الناس الالتزام بالقواعد وقوانين المرور، يجب على الجهات المسؤولة أيضا - إضافة إلى التوعية بأهمية وضرورة اتباع قوانين السير - أنتقضي على كل الأسباب المؤدية إلى وقوع الحوادث المؤلمة

ومن ذلك : إصلاح كافة الطرق المستعملة، وكذا منع بيع الخمور وترويجها، وعدم الاكتفاء بتشريعالقانون القاضي باختبار نسبة الكحول في دم السائقين بواسطة جهاز مخصص لذلك، كآلية من آليات الحد من حوادث السير، كما دعت إلى ذلك "اللجنةالوطنية المشتركة لسلامة الطرق" المنعقدة بتاريخ : 10 أكتوبر 2007 ، وكماجرى العمل به في الدول الغربية، بل المطلوب القضاء على هذه الآفة المدمرةالتي حرمها الشارع الحكيم واعتبرها أم الخبائث والمنكرات وجماع الإثم، كمامر معنا .

وقد قرر كثير من أهل العلم المعاصرين أن قوانين السير من الأمور التي وضعت من أجل ضبط المرور في الطرقات، وتنظيم السير فيها، حتى لا تعم الفوضى، وتكثر الحوادث، والغالب أن مخالفة السائق لهذه القوانين قد يحدث بسببها ضرر، إما عليه، وإما على غيره، كما أن الرجوع في ذلك، - أى تقدير الأضرار التى يمكن أن تحصل - إلى اجتهاد السائقين لا ينضبط، لاختلاف أحوالهم وتقديراتهم.

وعليه، فإن مراعاة المصلحة الغالبة العامة مقدمة على المصلحة المظنونة الخاصة، فالتزام قواعد السير حينئذ واجب، خصوصاً تجاوز الإشارات الضوئية، أو السرعةالزائدة، وما كان مثل ذلك مما هو مظنة الضرر، وإن كان أحياناً لا ضرر فيه.

فتلك القوانين إنما هي من المصالح المرسلة التي يراعيها الإمام، فتجب طاعتهفيها للمصلحة المظنونة في التزامها والمفسدة المتوقعة عند عدم ذلك، والعبرةفي الشارع إنما هي بغلبة الظن، كما قالالعلويفي مراقيه : بغالب الظن يدور المعتبر.

وتلك القوانين وإن لم يترتب على الالتزام بها مفاسد أحياناً فذلك نادر، والنادرلا حكم له، إنما الحكم للغالب، ودرء المفسدة أولى من جلب المصلحة؛ كما هومقرر في القواعد الفقهية، فيجب الالتزام بتلك القوانين والظاهر أنه قد يأثممن خالفها، ويضمن إن ترتب على ذلك جناية على الغير.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا رشدنا حتى نكون ممن يحفظون دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وعقولهم، وأن يكتب لنا جميعا السلامة والعافية في البروالبحر، وأن يحفظنا ويحفظ أهلنا وأبناءنا وبناتنا وبلدنا وسائر بلادالمسلمين من كل سوء ومكروه، آمين آمين، والحمد لله أولا وأخيرا .

شكرًا على المعلومات
نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا رشدنا حتى نكون ممن يحفظون دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وعقولهم، وأن يكتب لنا جميعا السلامة والعافية في البروالبحر، وأن يحفظنا ويحفظ أهلنا وأبناءنا وبناتنا وبلدنا وسائر بلادالمسلمين من كل سوء ومكروه، آمين آمين، والحمد لله أولا وأخيرا .
اااااممممممممييييييييييننننننن

شكرًا على الموضوووع انه رااااااااائع

ااااامييين يارب العالميييين
شكرًا على الموضوع انه مرة حلو

 جعله الله في ميزان حساناتك